الوقت كفيل بكشف النوايا والمستور، بعد ان أقرت حكومة إسرائيل قانون القومية، الذي يعني سيطرة يهوديتها المطلقة على الأرض و اللغة. يميز هذا القانون اليهود عن باقي سكان الدولة وبالأخص العرب المواطنين الأصليين، ويجعلهم مواطنين مهمشين من الدرجة الثانية. لقد قامت قيامة العرب وعمّ بالأخص الدروز غضب عارم، مظاهرات صاخبة، خطابات و.... كون القانون وضح معنى الإسرائيلية فهي تقع فقط على اليهود، مما خيب آمال بعض الدروز ممن سولت لهم نفوسهم يوما انهم "إسرائيليون"، فجاء هذا القانون ليتنكر في كل بنوده "لعطاء" هذه الأقلية وبالأخص للضباط الكبار من الدروز. واتضح ان هذا القانون العنصري رغم كل سيئاته، لم يكن بالضبط طعنة كما يصفه البعض. يقال إن افي دختر أحد أبرز أعضاء الكنيست من حزب الليكود والمحرك لسن هذا القانون، كان قد أخبر قسما من "القيادة" الدرزية قبل عدة سنين بهذا القانون، وهي اعطته الضوء الأخضر للمتابعة به من جهتها "ومفهومها" ان هذا القانون لن يضر بالطائفة الدرزية! إذا كان هذا الكلام صحيحا يجب ان يوجه الغضب ضد من أعطى الضوء الأخضر لهم، وفي مجتمعات تحترم نفسها يجب على أي مسؤول عن فشل بهذا الحجم ان يقدم استقالته فورا.
هذا القانون لا يعني الكثير لقسم كبير من الأقلية العربية كونهم وبحق لم يشعروا ابدا يوما انهم جزء من الدولة ولا الدولة عملت على ان يكونوا جزءًا منها، الجميع عاشوا روح القانون قبل سنّه.
اما الدروز المساكين فقد مارست عليهم الدولة إرهابا وأساليب شيطانية، فكان من الصعب على طائفة صغيرة وضعيفة الصمود ضد هذه الآلة. خلال سنتين أي بعد قانون التجنيد الاجباري سنه 1956 استطاعت استمالة من تريد من الدروز و تركت البقية لأعوانها باستمالتهم وبدعم كامل منها، فرسمت خطة بعيدة الامد مع رصد ميزانيات كبيرة لإخضاع الطائفة لسياستها. قسم منا اقتنع انه جزء من الدولة وعليه أيضا ان يدافع عن كيانها!، من اهم بنود خطتها كان تغيير المنهاج للمدارس الدرزية، فصله عن المنهاج العربي في الداخل، وجعله منهاجا مستقلا، يبدأ من الصفوف الابتدائية حتى الثانوية. جرى غسل دماغ ممنهج لإقناعنا بأن قوميتنا درزية ووطننا إسرائيل، ونحن نختلف كليا عن الأقلية العربية ولا ننتمي اليها!، للأسف كان هناك من "المثقفين الدروز" الذين روجوا لهذا التزوير لإنجاح الخطة.
بعد هذه السنين الطويلة مع ممارسة قسم من الدروز الطقوس الإسرائيلية الرسمية شبعنا "وطنية إسرائيلية".. كيف لا و"خدمة" العلم أصبحت امرا اعتياديا، وخلال هذه الخدمة قتل المئات من الدروز وجرح الآلاف خلال "الدفاع عن امن دولتهم". قسم من الشباب الدروز رأى ان هذه الخدمة فتحت باب رزق لا بأس به، وبالأخص بعد ان صادرت الدولة القسم الأكبر من أراضينا الزراعية. بعد أكثر من ستين سنة من الخدمة الإجبارية، وحقن طلابنا بالمواد المضللة، أصبحنا نفكر اننا جزء لا يتجزأ من هذه الدولة، من يستطيع اقناع الشباب الدروز وبالأخص الضباط منهم غير ذلك؟!
هذا القانون برأيي لم يأت صدفة، انما بعد ان تيقن حكام الدولة ان خطر إبادة إسرائيل قد زال من قبل العرب الذين تفتتوا الى قبائل وطوائف متناحرة، حتى منهم من استنجد بإسرائيل لضرب أخيه!، استغلت الدولة هذا الضعف وكشفت عن وجهها الحقيقي العنصري، وأبطلت بنفسها نظرية أسرلة الدروز التي عملت عليها سنين طوالا، كونها لم تعد بحاجة إليهم، اما "المتأسرلون" الدروز فشعروا بخيانة الدولة لهم، ودخلوا في حيرة من أمرهم.. لكل انسان على هذه البسيطة له قومية ووطن إذا هم ليسوا عربا وليسوا إسرائيليين؟! من هم ومن يكونون؟ استغلتنا الدولة وقت ضيقها حين كانت مهددة وسخرتنا لخدمة أمنها، واعتبرتنا جزءًا منها، إما في قراره نفسها فقد اعتبرتنا مرتزقة، وهذا ما تبين من نص القانون، في هذا الظرف علينا ان نتحلى بالجرأة والمصداقية ونتعامل مع الدولة بالمثل أيضا لتصحيح الخطأ التاريخي ومراجعة حساباتنا وعدم الوقوع بنفس الجحر مرتين.
الشباب الدروز الذين قتلوا في الجيش الاسرائيلي خلال خدمتهم لا يعتبرون "شهداء" انما ضحايا لعملية تجهيل. استغلتهم الدولة للمشاركة في حفظ أمنها لهذا استهدفت وضربت جذور الحضارة العربية الدرزية، وجعلتنا فريسة سهلة، ومن هذا الباب علينا الغاء كل مظاهر الاحتفال بعيد الاستقلال وعدم المشاركة بذكرى "الشهداء"، كوننا لسنا جزءا من الدولة، علينا ان نترحم على الضحايا من باب كونهم دفعوا حياتهم ثمنا لخدعة حيكت بصورة شيطانية.
لكني في الحقيقة لا أتوقع ان يتحرك شيء عند "القيادات" بعد هذه النكسات كونها مرتبطة بمشاريع خطيرة أخرى، لكنها ستحاول باي طريقة الخروج من هذه الورطة بأقل خسائر ممكنة، ليس من اجل كرامة الطائفة، انما من اجل حفظ ماء وجهها، عليها ان تبذل جهدًا كبيرًا لتقنع أبناء الطائفة بحسن ادارتها فهي من دون قسم من الطائفة لا تعني للسلطة شيئا ومن دون السلطة أصبحت لا شيء عند الكثيرين من الطائفة. ستحاول ان تجند كل حدث لمصلحتها وتعمل مع السلطة لإيجاد احداث لتتلاعب بعواطف البسطاء، لهذا نرى المؤسسة تدرس خطواتها جيدا، مثال على ذلك، ترقية ضباط، إعطاء مناصب رفيعة. وفي السنوات الأخيرة تسعى ليكون أحد الدروز ضمن من سيوقدون شعلة الاستقلال، هكذا تمتص غضب الشارع، بغض النظر عن معاملتها السيئة لأبناء الطائفة الدرزية، وهكذا تقتنع العامة ان هذا الحدث شرف وكرامة! لكن على الشرفاء منا ان يعلموا خطورة " أصحاب النفوذ"، بالنسبة لهم تنتهي مصلحة الطائفة وكرامتها إذا تعارضت مع تجارتهم، فما الطائفة الا غطاء لهم .
إضافة تعقيب